للناس هيئات وأحوال يقدِمون بها على رب العباد يوم القيامة، كلٌ بحسب طاعته وعصيانه، فعلى قدر عمل الإنسان في الدنيا يكون الحساب والجزاء، وكما كانت هناك مسئولية فردية لكل إنسان في حياته الدنيا ليميز بين الحق والباطل، ويختار طريقه وسلوكه، فإن هناك فردية في الحساب أيضا، يوم يٌفضِى المرء إلى ما قَدَّم لا يجد معينا إلا عمله.
يقول فضيلة الداعية الشيخ عبد الله السلامة أن مشاهد يوم القيامة حاضرة أكثر ما يكون في آيات القرآن المكية، حيث كانت هي بداية توثيق عُرَى الارتباط الروحي بين المؤمنين الأوائل والخالق عز وجل، ووضع أولى ركائز العقيدة، من خلال الإيمان بالغيب، من أجل هذا أمضى النبي صلوات الله وسلامه عليه ثلاثة عشر عاما يرسخ الإيمان في قلوب أصحابه، ويعزز اليقين في نفوسهم، حتى يرتبطوا بخالق هذا الكون وحده، ويبقى الإيمان ثابتا في قلوبهم لا يتزعزع، مهما واجهوا من خطوبٍ ونوازل خلال مسيرة الدعوة، لا يؤثر ذلك في أصل عقيدتهم، هكذا بنى النبي –صلى الله عليه وسلم- القاعدة الصلبة التي يقوم عليها الإسلام كاملا.
ويرى الشيخ أن أصل الدين هو الإيمان بالغيب، الإيمان بالله وكتبه ورسله والقدر خيره وشره، فما من أحد رأى الله رأي العين، أو سمع ما يوحى إلى الرسل، فكلها أمور غيبية، ليس فيها أمرا واحدا محسوسا، لذا فإن من أكثر الأشياء التي ذُكرت في القرآن هي الإيمان باليوم الآخر، والوقوف بين يدي رب العالمين، يقول سبحانه في سورة المطففين: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينْ 6﴾ ذلك اليوم الرهيب، الذي إن نجا فيه الإنسان، فقد فاز فوزا عظيما، وإلا فهي مصيبة تهون عندها كل مصائب الدنيا.
ولذلك يؤكد الشيخ أنه ينبغي علينا جميعا أن نتذكر في غمرة السعي في الحياة والركض والاستغراق في المشكلات، أن مآلنا إلى لقاء الله، ودوام التفكير في هذا الأمر يفرض علينا كثير من الضوابط في الحياة الدنيا، ويجنبنا كثير من الزلات، اتقاءً لذلك الموقف، إلا أن بعض الناس لا يدرك خطورة الاستهانة بحساب الله يوم القيامة، فنجده يقضي جُل عمره يصارع هذا، ويعادي هذا، وينافق هذا، ويخشى هذا، ويرجو هذا، وينسى أن "هذا" لا يملك من أمره شيئا، يوم يقف مسئولا أمام خالقه، ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ مريم:95، فالله جل وعلا في هذه الآية العظيمة يهز النفوس، حتى تستيقظ من الغفلة، ولا تنساق وراء فتن الدنيا، ومظاهر القوة والسطوة، فمآل الجميع هو ملاقاة الله تعالى.
ينبغي على كل تالٍ لكتاب الله – يقول الشيخ – حين يُقدِم على أي فعل أن يتذكر يوم الحساب، فالأمر جلل، والوقت يمضي، وما من أحد منا إلا وعمره ينقص كل يوم، ويقترب من هذا الموقف، يقول الله تعالى في سورة المائدة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ 105 ﴾ فاعمل يا عبد الله على نُصح الناس وهدايتهم قدر ما استطعت، لكن إذا وجدتَ الناس ماضية في غِيّها، وكثُر الهرج حولك، فالزم نفسك، فأنت ستقف يوم القيامة بين يدي الله وحدك، ولن ينفعك أحد ، فأنت مأمور بتقوى الله، حتى وإن خشيت على أولادك وذريتك في هذا العالم المادي الصاخب، مطلوب فقط منك التقوى، والله بواسع رحمته سيتكفل بحفظهم، ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ﴾ النساء:9، فلا تخش على أبناءك من الفاقة وعوَز الدنيا، ولكن اخش عليهم من تبعات فساد يقينك وتعلقك بالأسباب بدلا من رب الأسباب.